بقلم: أسماء صقر
اختلافات كثيرة يراها أغلبنا بين الصورة التي رسمها في مخيلته لبيته وحياة أسرته وبين الواقع الذي نحياه في المنزل ومع المجتمع، مع إن المدقق في الصورتان سيسمع قبل أن يرى في حواراتنا ما قد يفسد تلك الصور وما هو قادر على تزيينها من جديد.
والحوارات كما يعددها خبراء علم النفس والاجتماع تسعة أهمها وأشهرها: حوار الأوامر، حوار التوجيه والإرشاد، حوار التعاطف، حوار الأحكام الذي نحلل فيه الآخر بناء على رؤيتنا الخاصة ونصدر أحكاما ( أنت كذا ..)، حوار التجاهل وفيه تعمد عدم الرد ليبحث الآخر عن رد، وأخيرًا حوار النفس.
وهنا نتساءل أي هذه الحوارات نستخدم أكثر ؟ و هل نستخدمها بقصد و هدف تربوي أم عشوائيا ؟
أنصت إلى كلماتك
"سترى ما سأفعل بك "، "سأخبر أبيك".. "كيف فعلت هذا ؟ ألم تفكر على الإطلاق؟".. "لم أجبت عن هذا السؤال بشكل خاطئ ؟ألم نستذكره معا؟".. "ما هذا التأخير ؟! ألا تستطيعي مرة ألا تبقيني منتظرا ساعتين في السيارة ؟ ما الذي أخرك؟".. "ينقصك فتيل وتنفجر من كثرة الطعام !"..
لنتخيل معا الصورة و المشاعر التي ستتكون عند أبنائنا و أزواجنا عند استخدام مثل هذه الحوارات و ردود أفعالهم النفسية و الفورية تجاهها ولنقرر الآن كيف نريد أن نسمع الحوارات في بيوتنا بعيدا عن التهديد و السخرية و اللوم و الصراخ و النقد و الاتهام.
أركان بيوتنا
رصيد حب إلى زيادة لا إلى نقصان
لاشك أن الكلمات تزيد الرصيد إن حوت من الحب و الود و صورة عن حقيقة مشاعرنا وعلاقتنا بالأفراد الأسرة .. و علينا أن نتساءل هل فيما قلت ما يشير إلى حبي و ثقتي في الآخر سواء كان صغيري أو زوجي أم لا ؟
التساؤل الآن هو .. كيف ؟ كيف يقترن الحب و الثقة مع التعبير عن الرفض لشيء ما أو طلب أمر ما أو مناقشة اختلاف ما ؟
والإجابة هي : التغليف .. فمهما كانت الهدية قيمة فإن ما يزيد رونقها و قيمتها تغليفها أو العلبة التي نضعها فيها .. فإن رغبنا في أن نوجه أحد أفراد الأسرة إلى أمر ما لنبدأ بتوجيه ثناء على أمر فعله سابقا ، ثم نتبعه بما نريد قوله مع توضيح الهدف مما نريد و عرض وسائل تساعده له على التنفيذ، و نختم ذلك بإعلامه بمدى ثقتنا فيه و في قدرته على عمل الصواب و ثقتنا أنه سيكون دوما مصدر فخر مهما كانت النتيجة
تنمية الاحساس بالآخر
و يكون ذلك بحسن التعبير له عن ما أريد و ما أشعر و كيف كنت لأشعر لو فعل أمرا مختلفا و يكون ذلك مع الأبناء و الأزواج على السواء مع اختلاف أسلوب و لغة الحوار.
أفضل ما لديه
ونحن نبدأ حواراتنا علينا أن نتساءل عن كل كلمة هل ستخرج ممن يسمعها خيرا أم ...؟
كيف يسمعها ويفهمها - هو لا أنا – و كيف ستكون ردة فعله عليها ، هل ستجعل طفلي يخرج أفضل أم أسوأ ما لديه؟
الكثير من المناقشات التي تنتهي نهايات مروعة يدعي الطرفان انهما لم يسيئا و إنما قالا كذا و كذا و هذا الـ (كذا ) ليس خطأ و لكن العبرة باللغة التى نتحدث بها و المفردات التي نستخدم و الطريقة التي نعبر بها للطرف الآخر علما بأن 65% من الحوار يكون غير لفظي و غير مقصود !!!
تدارك لا عتاب
لابد أن يكون الهدف من حواراتنا الناقدة أن نغير و نصحح خطأ لا أن نثبته، وتحكي كاتبه كتاب ( تعاون الطفل) عن ابنتها الصغيرة التي رسمت على إحدي ملابس أختها الكبيرة فتقول كان يمكن أن يصير حوار صارخ ألومها فيه و لكني في هدوء قلت لها " ماذا تظنين ستكون ردة فعل أختك ؟" فقالت:"ستجن !" ثم حين تخيلت العواقب استطردت" أمي سأدخر من مصروفي لأعوضها أو تستطيع أن تنتقي شيئا تريده من أشيائي ".
ورغم بساطة الحوار فإنه أتى ثماره فجعلت الصغيرة تدرك مشاعر أختها و تعمل على تصحيح الخطأ بغير انفعال و لا صراخ
تقدير .. تقدير .. تقدير
إن التقدير الحقيقي للآخر و بخاصة أزواجنا و زوجاتنا في أوقات الاتفاق والخلاف أو المناقشات أو غيرها لهو إدارة غاية في الحكمة لدفة مركب العلاقات الشخصية و بناء لعلاقة راسخة و يتم ذلك بوسائل بسيطة أولها بالشكر و التقدير الفوري حال الفعل مهما صغر و ثانيها بالتقدير أمام الآخرين و ثالثهما بالتقدير العام بغير مناسبة و في اللحظات الجميلة بيننا و رابعهم في لحظات الخلاف فنبدأ خلافنا بقول" أنا قدر فعلا ما فعلت يوم كذا و ما تفعل من أجلنا و لكني أردت أن أخبرك أنك أغضبتني حين ...."
إن لهذه الجمل الصادقة طبعا أثر ليس على الآخر فقط و لكن علينا نحن أيضا و نحن نسمعها بينما نقولها
ما فعلت لا أنت
نريد أن نوجه حواراتنا الناقدة إلى الفعل لا إلى الذات ، فعندما يخطئ أحد ما فإني أنتقد الذي فعل لا هو فأقول مثلا " أن نحدث أمي من بعيد و نحن نوليها ظهرنا فهذا فعل لا يدل على الاحترام و لكن حين تنظر أنت إلى أمك و أنت تحدثها فهذا يعرفني كم تحبني و تحترمني "
ففصل الفعل السلبي عن الشخص و خاصة الطفل يعطيه فرصة واسعة جدا للتراجع و اتخاذ القرار الصائب المرة التالية أما إلصاق الفعل بشخصه فيعطيه انطباعا سلبيا تراكميا عن نفسه يصعب معه بعد ذلك التغيير و التماس الصواب و طبعا ينطبق ذلك و بقوة على الأزواج و الزوجات.
حصوة أبي بكر
السيطرة على الانفعالات و الغضب من أهم عوامل إقامة حوار ناجح كما أنها غلق لثغرة إيمانية ، و إن كانت أغلب أخطائنا التربوية ليست لجهلنا ببعض القواعد التربوية فإنما هي نواتج لردود أفعال انفعالية لا تربوية لتصرفات الآخرين .
ولئن كان خير الناس بعد الأنبياء يستعين بالحصوة ليضعها في فمه حتى إذا أراد أن يتحدث أخرجها فأعمل عقله لا انفعاله في تلك الثوان الضئيلة التي يستغرقها وقت إخراجها ، و تلك وسيلته رضي الله عنه.
و غيرها وسائل كثر لابد أن نشير إليهم:
1. تغيير الوضع : فالجلوس أو الاضطجاع يغير من حالتنا الانفعالية و قد روي عن النبي أنه قال :" إذا غضب أحدكم و هو قائم فليجلس ؛ فإن ذهب عنه الغضب و إلا فليضطجع "(1).
2. التصفيق : و نستخدم ذلك مع أطفالنا في حال الغضب و الانفعال الغير عادي عوضا عن الصراخ أو الضرب فلا يمكن أن ندعي قدرتنا الدائمة على التصرف الحكيم و ضبط النفس في كل اللحظات و إنما لابد أحيانا أن نفرغ انفعالاتنا بشكل غير ضار لنا و لا لغيرنا.
3. ابتعد : فنتحرك بعيد عن الحدث الذي يثير الغضب و الانفعال و لو لدقائق معدودة حتى نستجمع هدوءنا ثم نعود لنمارس حوارا تربويا ناضجا ،فيمكن للأم أو الأب الابتعاد عن مائدة الطعام حال الغضب الشديد من تصرفات الصغار للتفكير ثم العودة و معالجة الموقف بهدوء و بحكمة.
4. الاستحمام : و هي وسيلة ممتازة للاسترخاء و الهدوء حال تراكم الانفعالات و الضغوط و لنفعل ذلك بدون التقيد بطقوس الاستحمام العادية من ملابس و أدوات تنظيف و غيرها لأن ذلك ليس الهدف الأصلي .
5. التحدث لاحقا : فقد قال صلى الله عليه وسلم "إذا غضب أحدكم فليسكت"(2) ،فيمكن استخدام هذه الطريقة بمخاطبة الابن/ الابنة حين يخطئ " اذهب إلى غرفتك الآن و سأخبرك عن ما سأفعل حيال ما فعلت لاحقا " أو مع الزوج/ الزوجة حال احتدام النقاش " نحن منفعلان الآن لنتحدث لاحقا .. لابد أن ذلك سيكون أفضل"
الفعل ... وسيلة حوار ممتازة
كثيرا ما نصرخ محاولين تأديب أطفالنا أو إيقاف ما يفعلون و يكون ذلك غير مجدي لأن الحل الحقيقي هو الصمت و الفعل المباشر ، فمثلا : عند تشاجرهم على لعبة ما تحركي و خذي اللعبة من بين أيديهم بدون تعليق و لا تخرجيها مرة أخرى إلا بعد أن يتفقوا ... سيتعلم صغارك من ذلك أكثر بكثير مما لو ناقشتهم مناقشة لن تنتهي ، سيتعلمون أنك حازمة و أن الأمر جدي و أن عليهم أن يتفقوا لأنه لا سبيل آخر من جدال أو غيره.
لا تتأثر
حين نلتمس كل الوسائل السابقة ثم نفاجأ من أطفالنا بما ليس في الحسبان فإن علينا أن نراجع ثلاث أمور
1- حوارنا أمامهم
2- حوارات بعض الأقارب و الأصدقاء
3- ما يشاهدونه في التلفاز حتى و لو من الرسوم المتحركة لما تحويه بعضها من سوء اللفظ و الخلق
لأننا إن تغافلنا عن ذلك فإن لسان حالنا يقول يا صغيري لا تتأثر بكل ما حولك و كن فقط كما أريد و يا لها من مفارقة .
و قبل و بعد ذلك كله لا ننسى الدعاء فإن أمرا لن يتيسر حتى ييسره الله
(1) الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 694، خلاصة حكم المحدث: صحيح
(2) الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 693، خلاصة حكم المحدث: صحيح
حقوق النشر محفوظه لمدونه النداء
0 تعليقات:
إرسال تعليق